السبت، 9 أغسطس 2014

محمد العرب يكتب ... 24 ساعة مع مرض السرطان





22 سنة قضيتها بين المحطات والموانئ والمطارات تتقاسمني مع الزمن فيها التعب والخوف والجوع والترقب والحزن والسفر والترحال ومن رحم كل تلك المشاعر ولدت تجربتي الانسانية الخاصة، شخصيا اعتقد ان السفر من اعظم مدارس الحياة لأنه يمنحنا العلوم والمعارف بالتجربة وليس عبر الاطلاع النظري 58 دولة مرت بحياتي ومررت بها مسافرا او مقيما لبعض الوقت، 58 ثقافة اثرت فيّ وتأثرت بها، 22 سنة كنت اجتهد فيها لأتعلم التفكير بشكل صحيح في كل ما يدور حولنا، فالظلام الدامس القاتم اللون يلتف بالأمة، آهات....زفرات.....عبرات على امتداد جسد الامة المثخن بجراح الاصدقاء والاعداء والابناء، فمرة بعد مرة تذوق أمتنا المرارة وتسكت، وتبقى الأشجان النازفة تنطلق من جراح أمتنا لـتروي قصة أرض محتلة هنا او أرض مغتصبة هناك، ويبقى حال امة الاسلام بين دموع ودموع، كيف لا وقد اصبحنا امة البكاء باستحقاق لا يضاهينا فيه احد، بكاء الأطفال الجياع، بكاء الأيتام، بكاء الثكالى والأرامل، وبكاء الذل والهوان والقهر.
ابلغني الطبيب المعالج ان لديه شكوك قوية في اصابتي بسرطان المثانة لكن الامر يحسم بخروج الدفعة الاخيرة من التحاليل وخاصة عملية المنظار التي اثبتت فيما بعد ان جسدي سليم من المرض ولله الحمد، لا انكر ان الخبر اصابني بشلل فكري دام لدقيقة قبل ان اقول دعاء لطالما لامس قلبي طوال فترة حياتي المتعبة قلت الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه ومن طلب الشفاء منه شفاه ومن عمل بالأسباب النافعة صلح دينه ودنياه، ثم اخضعت نفسي لمرحلة تفكير عميق في كثير من قناعاتي ومواقفي وافكاري، وقمت بتقييم صارم لنتائج كل المعارك التي خضتها دفاعا عن الامة الاسلامية او دفاعا عن ثوابت اؤمن بها وتربيت عليها، ثم تذكرت عبارة كتبتها قبل خمس سنوات واخذت ابحث عنها اوردها هنا بلا تعديل مفادها (ابن فلان وابن علان سخافات ترددها الببغاوات البشرية، فلا فائدة من فلان الاب اذا فشل في تقديم فلان الابن كفرد صالح في المجتمع فقد ثبت بالتجربة بان الادب هو الميراث الذي ترتفع قيمته مع الزمن وان اعلى مقامات الغنى هو العقل الراجح واسوأ انواع الفقر الجهل، المال يشتري كل شيء من الحذاء الى الشهادة الجامعية لكنه فشل عبر العصور من شراء الاحترام الحقيقي).
هذه العبارة تعبر عني بشكل كبير، لقد اجتهدت ايها الاحبة ان اكون صادقا ومنصفا فيما اقول وان انقل إليكم ما ارى واسمع بمهنية عالية، قد تختلفون معي او تتفقون لكن ضميري مرتاح والحمد لله.
اخيرا نصيحتي لك اخي الصحفي الجديد في مهنة المتاعب (اجعل الصمت اقوى عقوباتك لمن يتطاول عليك من الجاهلين والحمقى لان الناس ستذكر صمتك بدقة وتنسى كلامهم، لا تجادل الجاهل بالدليل والبرهان فالجهل يفقد صاحبه صفة الانسان، والعاقل هو الذي يستطيع ان يعكس شكل الجوهر على ملامح المظهر فلا قيمة لمظهر براق لا يدعمه جوهر مشرق ولا فائدة من جوهر مكنون لا يستفيد منه عاقل او مجنون وتصالحوا مع انفسكم فان اضطرتكم ظروف الحياة الى ان تدخلوا فضاءات غير فضاءاتكم فلا بأس بساعة كل يوم تكونوا فيها الخصم والحكم للترميم الانساني وتذكر اخي ان المسلمين والعرب في غمار حرب ثقافية ضروس يستخدم فيها الاعداء عناصر التسطيح والتشويه والتحريف لموروث عظيم لسنا اهلا لنكون ورثته لأننا منذ ان استبدلنا اقلام اجدادنا بلوحة مفاتيح حاسوب الامم الاخرى فقدنا القدرة على تحسس العلاقة بين افكارنا المزدحمة وفضاء الورقة البيضاء، قديما كان اجدادنا يرددون لسانك حصانك الان في عصر الحاسوب والهواتف الذكية اصبحت اناملك العشرة احصنتك ما اصعب الفروسية في زمن تويتر).
اللهم ان شكرك نعمة تستحق الشكر فعلمنى كيف اشكرك، الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك، الحمد لله رب العالمين، خلق اللوح والقلم.
وخلق الخلق من عدم.. ودبر الأرزاق والآجال بالمقادير وحكم.. وجمل الليل بالنجوم في الظُلَمّ، الحمد لله رب العالمين.. الذي علا فقهر.. ومَلَكَ فقدر.. وعفا فغفر.. وعلِمَ وستر.. وهزَمَ ونصر.. وخلق ونشر، الحمد لله رب العالمين.. صاحب العظمة والكبرياء.. يعلم ما في البطن والأحشاء.. فرق بين العروق والأمعاء.. أجرى فيهما الطعام والماء.. فسبحانك يا رب الأرض والسماء.
ختاما اشكر كل من سأل عني وساندني خلال الاربع والعشرين ساعة الماضية التي كانت طويلة جدا ومتعبة ومرهقة واعاهدهم عهد الاسلام ثم عهد الرجال ان اكون كما عهدوني مدافعا عن قضايا الامة وعن ثوابت الامتين الاسلامية والعربية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق