السبت، 6 أكتوبر 2012

أذرع الموت الإيرانية

ما أبطأ تحرك العالم عندما يتعلق الأمر بالنشاط الإرهابي والتخريبي الإيراني، وما أسرعه عندما يتعلق الأمر بتطور الأحداث في العالم العربي، سرعة التصريحات الأمريكية والغربية في أي موضوع يخص العالم العربي وتباطؤها عندما يتعلق الأمر بإيران وإرهابها يذكرني بالمثل الشعبي العراقي (أبوي ما يقدر إلا على أمي)..
وفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية؛ يعتبر فيلق القدس الإيراني الإرهابي المسؤول عن فرع العمليات الخارجية لقوات الحرس الثوري الإيراني، وهو الآلية الرئيسة للنظام في رعاية ودعم الإرهابيين في الخارج الذين يشكلون جزءاً من مشروع تصدير الثورة القديم المتجدد، وقد صنفت وزارة الخزانة الأمريكية فيلق القدس على أنه “منظمة إرهابية عالمية”، وقامت بتجميد أرصدته بموجب قوانين السلطات القضائية، وفرضت حظراً على تعاملاته مع أطراف أمريكية وأخرى غير أمريكية، كما اتخذت إجراءات ضد العديد من المسؤولين الكبار في فيلق القدس؛ ومنهم قائد التنظيم قاسم سليماني، لكن التمويل المالي لفيلق القدس الإرهابي لا يزال مستمراً بسبب تعاون العشرات من الشخصيات العربية، ولأن قادة التنظيم سيجدون متبرعين في العراق ولبنان وسوريا والخليج العربي للعب دور الوسيط المالي الخارج عن الرقابة الأمريكية، مما يسهل عمل هذا الذراع الإرهابي على نطاق عالمي؛ حيث يمتلك إدارات منفصلة لإدارة عملياته الإرهابية في العراق ولبنان وفلسطين والأردن وأفغانستان وباكستان والهند وتركيا وشبه الجزيرة العربية، خصوصاً دول الخليج العربي، والدول الآسيوية ودول الاتحاد السوفيتي سابقاً والدول الأوروبية وأمريكا الشمالية وشمال أفريقيا.
وفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية فإن منظمة حزب الله اللبنانية الإيرانية هي أكبر مستفيد من الدعم المالي والتدريب والأسلحة من إيران، وقد ألمحت القيادة العليا في إيران إلى منظمة حزب الله كنموذج لجماعات مسلحة أخرى تنتشر بشكل مستتر في الخليج العربي واليمن والعراق وسوريا ومصر وفلسطين بحسب مصادر صحفية عديدة.
في شهر أكتوبر 2010، احتجزت قوات الأمن النيجيرية سفينة أسلحة إيرانية في ميناء لاغوس، وقد قادت عملية مصادرة السلاح إلى اعتقال ضابط في جيش القدس يشتبه بقيامه بتسهيل عبور السفينة، وفي شهر نوفمبر الماضي رفعت نيجيريا تقريراً إلى الأمم المتحدة حول الحادثة بسبب الحظر الدولي المفروض على نقل الأسلحة من وإلى إيران، وعلى أثر هذه الحادثة قطعت كل من غامبيا والسنغال علاقاتهما مع إيران.
إذاً أذرع الموت الإيرانية ليست في أمريكا الجنوبية فقط وليست في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه؛ إنما في أفريقيا أيضاً، حيث حدثني أحد الزملاء الصحافيين الطوارق أن إيران تسعى بشكل حثيث للتواصل مع الطوارق، إلا أن المنهج السلفي للطوارق يجعلهم بعيدين نوعاً ما عن التوجه الإيراني، لكن زميلي الطوارقي يقول إذا استمرت إيران بضغطها ومع انعدام مصادر تمويل أخرى للحركات الإسلامية المتشددة في الصحراء الكبرى وأفريقيا فربما تصبح هذه الحركات جزءاً من المشروع الإيراني.
لا أفهم شخصياً ماذا تنتظر أمريكا إذا كانت فعلا جادة في محاربتها الإرهاب كما تزعم؟ ماذا ينتظر أوباما وإيران تعلن على رؤوس الأشهاد وفي كل المحافل أنها قوة شر وأذرع الموت تمتد منها إلى عواصم عربية وغير عربية مهددة بالويل والثبور لكل من لا ينضوي حباً أو كرهاً تحت لواء الموت الذي ترفع إيران لواءه باسم الإسلام، والإسلام من كل متطرف براء.

أمنية متشردة في جنيف

المتشردون أو (الهوم لس)؛ كما يتم وصفهم في أدبيات حقوق الأنسان المخادعة، ظاهرة تنمو بسرعة وأسبابها كثيرة ومتشعبة. بعض تلك الأسباب تعود إلى تصرفات المتشردين أنفسهم والبعض الآخر بسبب انعدام العدالة الاجتماعية، لذا أصبح منظر من يفترشون الأرض ويلتحفون ملابسهم البالية ويقتاتون من القمامة والفضلات أمراً مألوفاً في العالم، وإن اتسعت هذه الظاهرة في الغرب الذي يدعي رعاية حقوق الإنسان بشكل أكثر من باقي بقاع (المخروبة).
الظاهرة المؤلمة انتشرت أيضاً في الدول العربية بشكل متفاوت الحجم والتأثير، وهي نتيجة ظروف اجتماعية سيئة واقتصادية قاهرة؛ إلا أن العرب بما يتمتعون به من شفقة ورحمة فإن الكثير من هؤلاء المتشردين تتم مساعدتهم بطريقة أو أخرى، وهم على كل حال أفضل حالاً من غيرهم في الغرب ولسنا هنا بصدد دراستها.
أثناء تواجدي في جنيف شاهدت الكثير منهم، وعلى مقربة من مبنى مجلس حقوق الإنسان، ولا يبدو أنهم يشكلون فارقاً في ميزان حقوق الإنسان الأعوج الذي يميل أينما تميل مصلحة الدول العظمى، عشرات المتشردين يفترشون الضفاف العشبية لبحيرة جنيف الساحرة، حيث يمر بهم الأغنياء والسواح وهواة رياضة الجري دون أن يفكر أحدهم بطرح سؤال أو إيجاد إجابة إلا ما ندر، ربما لأن الأمر لا يعنيهم، متشردة واحدة نطقت بكلمة واحدة جذبت انتباهي من بين عشرات المتشردين في جنيف ممن مررت بهم أثناء الذهاب والإياب إلى مجلس حقوق الإنسان، متشردة واحدة قررت أن أُجري معها حواراً إنسانياً بعيداً عن عدسة الكاميرا، متشردة واحدة من بين عشرات الذين يفترشون الأرض ويقضون معظم يومهم في الشوارع ولا يوجد لهم بيت يأويهم أو وجبة طعام دافئة تنعش أمعاءهم، متشردة واحدة من بين عشرات غيرها أدمنوا جو جنيف المتقلب بين مطر وشمس مرتدين نفس الملابس الرثة في الصيف والشتاء.
اسمها مريم؛ وهي ابنة أحد خبراء النفط العراقيين في السبعينات، وصل أبوها المسيحي العربي وأمها المسيحية الكردية إلى روسيا عندما كان الاتحاد السوفيتي، حيث حصلت العائلة على جواز السفر الروسي الذي اكتسبته مريم بالولادة، لكنها قررت بعد بلوغها سن الرشد أن تعود للعراق وتحصل على أوراق ثبوتية عراقية، لأنها بصراحة؛ إما وطنية حقيقية أو مجنونة حقيقية، رفضت السلطات العراقية قبل الاحتلال منحها حقها المستحق، وكذلك رفضت السلطات بعد الاحتلال، لذا تضحك قائلة لا صدام العربي منحني الجواز من أجل أبي العربي ولا الطالباني الكردي منحني الجواز من أجل أمي الكردية، رحلة مريم مع الحياة أسفرت عن زواج لم يدم طويلاً وابن سويسري يعمل مهندساً في الخليج العربي لا تعرف له مكاناً أو وسيلة اتصال، وابنة متزوجة من فنان تشكيلي بلجيكي وتعيش مع زوجها وأطفالها في بلجيكا ولا تعرف لها سبيلاً أيضاً، بينما انتهى المقام بمريم العراقية والروسية والسويسرية إلى وضعها الحالي كمتشردة تجيد اللغة العربية والكردية والروسية والإنكليزية والفرنسية وتقتات فتات موائد المطاعم.
مريم استوقفتني بكلمة عراقية لا يقولها إلا أهل بغداد، وهي كلمة (باوع) وتعني انظر أو شاهد، قالتها عندما مررت بها وأنا أتحدث عبر الهاتف، أنهيت المكالمة على عجل ليكون لي معها هذا الحوار. فقلت لها: هل أنتِ عراقية؟، فقالت: نعم عراقية من بغداد وأحمل جواز سفر سويسري وروسي، وأخبرتني بعد شد وجذب عن حكايتها وعقوق أبنائها، بعد ساعة من الحديث غير المترابط ولا المتسلسل قالت لي أريد أن أدفن في العراق؟ فقلت لها وما الفرق يا مريم؟ فأجابت بلهجة بغدادية حازمة لأنه تحدي؛ فإن منعني قانون الأرض من العيش في العراق فعلى الأقل عندما أدفن في العراق أكون قد انتصرت عليهم بقانون السماء.
هذه حكاية مريم وعلى السفارة العراقية في البحرين إيصال هذه الرسالة إلى الرئيس الكردي أو رئيس البرلمان العربي أو حتى رئيس الوزراء.

شاهدت في جنيف

هذه مشاهدات من جنيف أوردها لكم بلا تفاصيل..
- شاهدت ماذا يفعل القتيل عندما يشاهد سكين القاتل؟ عندما انتفض الناشط الأحوازي البريطاني أمجد طه الكعبي بوجه المدعو قاسم الهاشمي وهو يحمل صورة يظهر فيها الهاشمي وهو يقبل رأس قاتل الأحوازيين أحمدي نجاد.
- شاهدت ماذا يفعل المواطن عندما تتعرض سمعة بلده للإساءة؟ عندما ثار الصحافي الكويتي مشعل النامي بوجه عبدالحميد دشتي الذي أساء للكويت عندما تعمد إهانة مكون من مكونات الخليج العربي وهو أهلنا البلوش الكرام.
- شاهدت كيف يتم استخدام العقل بعيداً عن العاطفة؟ عندما سمعت كلام المواطن البحريني خالد الأمين يتحدث عن مستقبل البحرين، فيما إذا أصر البعض على الاستمرار في تعطيل مصالح البلاد والعباد بالتظاهر في المناطق التجارية.
- شاهدت كيف يقف عالم دين في مقتبل العمر يفند أكاذيب ديناصورات الطائفية؛ إنه الشيخ عبدالله المقابي.
- شاهدت كيف تقف المنظمات الأهلية في جنيف متسلحة بحب البحرين لتوضيح حقيقة الوضع في البحرين.
- شاهدت أناساً يدّعون أنهم نشطاء حقوق الإنسان وهم يقمعون حرية الإعلام ويصادرون حق الآخرين بالتعبير، بل ويختلفون مع شركائهم في المعارضة لأنهم يريدون أن يتقدموا الصفوف؛ إنها مريم خواجة.
- شاهدت امرأة أشجع من الرجال؛ إنها الحقوقية منى هجرس، التي أوقفت الهاشمي و«الشبيحة” المرافقة له مثل التلاميذ يستمعون لطرحها الرصين.
- شاهدت مواطناً يبكي فرحاً لأن العالم عرف حقيقة الوضع في البحرين؛ إنه جهاد أمين.
- شاهدت نقابي يعرف أدوات الطرح والنقاش وتبادل الآراء؛ إنه علي البنعلي.
- شاهدت شابة أكثر حكمة من معارضين يملأ الشيب شعرهم؛ إنها فاطمة صلاح الدين.
- شاهدت في جنيف خلية نحل تعمل؛ إنهم فريق تلفزيون البحرين.
- شاهدت قانونياً يعرف كيف يعترض بالقانون ويتكلم بالقانون؛ إنه عبدالجبار الطيب.
- شاهدت مواطنة بحرينية تفتخر بالبحرين وتعرف كيف تدافع عن مكتسباتها؛ إنها روضة العرادي.
- شاهدت إعلامياً محترفاً يعرف من أين يتم تناول الخبر؛ إنه مؤنس المردي.
- شاهدت شخصاً سكراناً في مبنى الأمم المتحدة؛ إنه عبدالحميد دشتي.
شاهدت وشاهدت وشاهدت.. لكن أجمل ما شاهدت أن يعرف العالم الحقيقة التي عاهدت الله أن أنقلها لكم بلا رتوش ولا زيادات، نعم البحرين ليست جمهورية أفلاطون الفاضلة؛ لكنها بالتأكيد ليست كما يريد البعض تسويقها.